صدر الكتاب الثاني في إطار خدمة "كتابك" تحت عنوان "بورصة الصراحة، حضور صحفي من عمق وعائنا الحضاري" للدكتور محمد باباعمي، ينشر فيه عددا مما كتب في الصحافة الورقية، وبعض المواد التي أعدها ولم يُكتب لها النشر، بهدف أن يكون المؤلَّف شاهدًا ودليلاً على مرحلة حرِجة مرت بها الجزائر.
جمع الكتاب بين صفحاته خمسة وستين مقالا، أبرزها عمود "بصيرة البصائر" الذي كان يكتبه المؤلف في جريدة البصائر تحت توقيع "أبو الربيع"، ومقالات وخواطر متفرقة، وتحقيقات وحوارات منشورة في العديد من الصحف الوطنية والعربية، ويبين الدكتور محمد باباعمي في مقدمة كتابه أنه عالج من خلال هذه المقالات -بصراحة- العديد من المواقف، ناقدًا ومصوِّبًا ما جَدََّ من مجريات وأحداث، حريصا على كتابة مايرضي الله ويريح الضمير ويخدم الرسالة والغاية.
عن موقع فيكوس مقال للدكتور بباعمي
مقدمة الكتاب:
العمل الصحفي رسالة ومعاناة، جهاد وتدافع، إذ الإعلام اليوم ثغر من أشد الثغور الحضارية ضراوة، من كسبه كسب المعركة، ومن خسره تجرع مرارة الهزيمة.
ولقد شاء الله تعالى أن أدعى إلى "جريدة البصائر" يوم أحييت في شوطها الرابع، بداية القرن الواحد والعشرين، بمبادرة طيبة من الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله، وبسند متين من العالِميْن العَلَميْن الدكتور عبد الرزاق قسوم، والأستاذ محمد الهادي الحسني.
والبصائر في ذاكرة الجزائر هي "أم الجرائد" وهي لسان حال "أم الجمعيات"، " جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، فقد أسست على تقوى من الله شهر شوال 1354هـ/ديسمبر 1935م، تحت إمرة كبار علماء الجزائر، على رأسهم الإمام عبد الحميد ابن باديس، والهمام البشير الإبراهيمي... وغيرهم من الرجال الجبال كثر.
فكانت "البصائر" لوحدها سدًّا منيعًا، وحِصنًا حَصينًا، للإسلام واللغة العربية والهوية الوطنية، وكان الناس يتخرجون فيها تخرجهم في أرقى المعاهد والجامعات، ويصقلون معارفهم ومواقفهم على إيقاعها، حتى إن الواحد منهم ليبيت على الجوع والطوى، ويصبر على العطش والخوى، ولكنه لا يحتمل التخلف أسبوعا واحدا عن مطالعة البصائر، وتصفحها جملة جملة، وكلمة كلمة، وحرفا حرفا.
هاتفني أستاذي الدكتور عبد الرزاق قسوم صبيحة يوم ربيعي من عام 1431هـ 2000م، فقال: "نحن عازمون على إحياء جريدة البصائر، وإنا لندعوك لتكون معنا، مسؤولا للتحرير، متفرغا في جمعية العلماء، وعضوا في مكتبها الدائم" ثم سكت برهة، وقال:"ماذا ترى؟".
نزل الخبر عليَّ كالصاعقة، فقد كنت يومها منكبًّا على" المطياف القرآني"، وهو مركز للبحوث والدراسات، ساهمت في إنشائه مع ثلة من خيرة شباب الأمة، ليكون منارة علم وبحث في كل ما يُمِتُّ إلى القرآن الكريم بصلة، وكنت كذلك عضوا عاملا في إدارة "جمعية التراث"، الرائدة في التأليف والتحقيق، والنشر والتوزيع. وكان السؤال الصعب الذي في عقلي وقلبي هو: "لمن أترك مسؤولياتي هذه؟".
قلت للدكتور قسوم، دون تردد: " سأستشير شيخي، ووالدي الروحي، فضيلة الشيخ عدون، حفظه الله ثم آتيك بالجواب".
حلَّقتُ على جناح السرعة وجهة القرارة، وكلَّمتُ الشيخ عدون في الموضوع ثم قلت له:"الرأي رأيك، وأنا رهن إشارتك".
قال بعد صمت حكيم: "حقيقة يصعب علينا أن نهدم حِصنًا لنُعليَ حِصنًا، غير أن الحصن العام أولى من الحصن الخاص، توكل على الله، وتقدم، فالله معك، ولن يضيع لك أجرا".
وبدأ المشوار، فوُظِّفت في الجريدة، وفي جمعية العلماء، ففتح الله عليَّ بما فتح من مقالات وخواطر، أبرزها عمود "بصيرة البصائر"، الذي كان يُنشر في الصفحة الأخيرة من الجريدة، أعالج من خلاله -بصراحة- العديد من المواقف، وأنقد وأصوِّب ما عنَّ لي من مجريات الأحداث، ولا أبالي، أكان ما أكتب مرضيًّا عند عِلية القوم أم لم يكن، مادام يرضي الله تعالى، ويريح الضمير، ويخدم الرسالة والغاية.
ولقد كتبتُ بومها، تحت عنوان "بورصة الصراحة":
"بالعمل فقط نكتسب الأمل، وليس أسعد في حياة المرء من لحظة يصارح فيها نفسه، ويصارح فيها غيره، دون ذل ولا كبرياء ...
فالصراحة هي مفتاح السعادة كلها، بل هي السعادة بعينها، وهي البلسم الشافي للعيش السليم، وهي السر في رقي الأمم والمجتمعات...
ولا تعني الصراحة، البتة، المساس بمشاعر الآخرين، ولا التعدي على حرياتهم...
ولْيسألْ كل واحد منا نفسه، وليسائل أهله ومجتمعه:
• ماهو حظنا من الصراحة؟
• وما حظ وسائل الإعلام في بلدي منها، سواء أكانت جرائد أم مجلات أم قنوات للتلفزيون..؟
• وأين ومتى يتعلم الواحد منا معاني الصراحة ؟
• وليكن الجواب على هذا السؤال عن الصراحة، بصراحة..."
وها أنذا، بعد عقد من الزمان، أنشر بعض ما كتبت في الصحافة الورقية، دون الرقمية، وبعض المواد التي أعددتها ولم يكتب لها النشر، وغرضي أن يكون هذا العمل -بحول الله- شاهدًا ودليلا على مرحلة حرجة مرت بها جزائرنا الغالية، وأضيف إلى العمود جملة من المقالات والحوارات والتحقيقات، التي نشرتها في البصائر أو في غيرها، ليكتمل المؤلَّف سِفْرًا مُحْكما، أهديه للقارئ العزيز، عربون حب ووفاء، ولينظرْ فيه بعين النقد والتمحيص، ذلك أن العلم فَرْك وجدل، والرأي السديد وليد السِّجال والحوار.