المدير العام
عدد المساهمات : 1228 تاريخ التسجيل : 04/11/2010 العمر : 50
| موضوع: أبي : هل أتاك حديث يعقوب؟ الجمعة مارس 09, 2012 11:08 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبي : هل أتاك حديث يعقوب؟
أبي : هل أتاك حديث يعقوب عليه السلام ؟ هل قرأت القرآن يا أبي و تفكرت في أحسن القصص , اقرأ فإن من القصص عبرة , ومن العبرة حكمة . كان لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولدا من البنين , فغلبته عاطفته بحب يوسف و لم يخف ذلك عن أخوة يوسف الذي كان يتحلى بحسن الخلق و الخلقة , و لقد أثار تفضيل يعقوب عليه السلام ليوسف غيرة أبناءه الآخرين , مما دفعهم للتآمر على أخيهم و التخلص منه ليخلو لهم وجه أبيهم , فقرر الأخوة التسعة التخلص منه , فأشار بعضهم إلى قتله أو رمية في أرض بعيدة ثم يتوبوا, إلا أخوهم الأكبر فقد خالفهم الرأي و قال: لا تقتلونه و أرموه في البئر تأت قافلة تأخذه , فيصفو لكم وجه أبيكم , فاتفقوا على ذلك , و عادوا إلى المنزل يتوددون إلى يوسف أمام سيدنا يعقوب و يمسحون على رأسه و يتظاهرون بالحب له, ثم طلبوا من أبيهم أن يدع يوسف يخرج معهم يلعب و يلهو , ولم يكن مطمئنا لهم عليه السلام , إلا أنه سمح لهم بأخذه . فذهبوا به ثم رموه في البئر .
و لقد قص الله علينا هذه القصة لنعتبر, و مثل قصة يوسف عليه السلام كثيرة , في الأزمنة الماضية أو في هذا الزمان , فكم من بيت هُدم بعاطفة غير عادلة من الوالدين , و كم من صراع نشب بين الأخوة لقلة حكمتهم . و لذلك أقول إن للبيوت قواعد غير التي نراها و المتشكلة من الأسمنت , فهناك قواعد معنوية لا تُرى بالعين و إنما بالقلب و الأحاسيس و دون هذه القواعد لا قيمة للبيت, و إذا أختلت قاعدة معنوية واحدة يوشك البيت أن يتداعى و يهدم .
وأهم هذه القواعد المعنوية: وجود الأبوين و صلاحهم وحكمتهم و المشاعر المتبادلة بين الأبناء .
فوجود الأبوين يجعل للأسرة أهمية عند الأبناء و احتراما للعلاقة الأسرية , و خاصةً إذا كان الوالدان صالحين و على وفاق , و ربوّا أبنائهم على ما هم عليه من الصلاح, و حرصوا على التقريب و العدل بينهم , ولا يُقربان أو يعطيان ابنا أكثر من الآخر , فذلك بلا شك يشعل الغيرة و تخلق الحواجز بينهم , و العاقل منهم سيرغم نفسه على عدم المبالاة لما يراه , و المؤمن سيتجاهل و يتغاضى عن ذلك بزهده عن الحياة و طلبه الآخرة , ولكن لماذا نخلق هذا الشعور في أبنائنا من الأساس؟
فعلى الوالدين أن يفهوا المعادلة الثابتة وهي أنهم إن فضلوا أحد ابنائهم سيبتعد الآخرون عنهما تلقائياً ولا إرادياً , و بدل من كسب مودتهم و التفاف أبناءهما حولهما, سيجدون التواصل بينهم كاتصال هاتفي ضعيف الإرسال متقطع و صعب .
يقول لي أحد الأصدقاء: قالت لي أختي أبي يُفضلك على أخوتك , فقلت لها: كيف عرفتي ذلك؟, قالت: من معاملته معك و تودده لك و الثناء عليك . فقال لها: هذا ليس صحيحاً . وفي نفسه يقول: فعلاً. و لم يلاحظ تفضيل والده له إلا عندما أخبرته أخته , و ليس العجيب في هذه القصة تفضيل أبيه له ,و لكنك ستتعجب من تصرفه إزاء ذلك , هو بطبيعة الحال سعيد برضا والده ولكن لا يسعده تمييزه عن أخوته , و من رجاحة عقلة لم يقل: أنا أحسن من أخوتي. بل خاف على والده من الذنب , و تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله" . فكان حب الأبن لأبيه كبيرا إذ خاف عليه من الذنب و الخطأ , فقرر أن يبتعد قليلاً و لكن دون أن ينقص من بر أبيه , و إذا جلس معه يثني على أخوته , و يظهر له محاسنهم , فكان تصرفه فيه الحكمة و صفاء القلب , ولو كان لئيم لفرح و سعد دون أن يبالي بالعواقب التي تنتظر والده جراء عدم عدله و مساواته بين الأبناء من الآثام .
وأما اللئام فهم كثر, و منهم رجل قدمه والده على سائر أخوته , و حرص على أن يبقى هو المفضل بوقاحة , فتارةً يذم بعض أخوته أمام والده , و تارةً يقطع حديث من يثني على أخوته عند والده , و تارةً أخرى, إذا قصر أحد أخوته و لّومهُ والده و قدم الأبن الأعذار , يسعى هو بتجريده من الأعذار لإثارة والده على أخوه , و أنا حقيقةً لم أعلم بهذه التصرفات إلا في النساء لكثرة غيرتهن , ولم أعرف في الرجال هذا الطبع .
و النوايا في القلوب لا يعلمها إلا الله و وصاحب النية , و إن الله يعطي الإنسان على قدر النوايا , فإن كان خيراً فله الخير , و إن كان شراً كان مآبه شرا , و مثل أبناء يعقوب كثر , و قد يختلف الشكل و يكون شخص واحد في العائلة يشبه أبناء يعقوب, و لكن الفكرة لا تختلف - غيره و حسدا - . فعجباً لمن ترك منافسة الناس في الخير و قعد ينافس أخوته في باطل و يمكر لهم ظناً منه أن في ذلك عز الدنيا , لا والله أنه خزي في الدنيا و الآخره , و إذا أبتليت بأخوة يوسف , فكن في مقام يوسف , الذي علا مقامة بحسن نيته , و ترك لهم الدنيا مرضاة لربه , حتى أتوه إخوانه مصر مكسورين مذلولين , و مع ذلك عفا عنهم و لم يلومهم و كان من الصافحين , و اجعل غاية مرادك رضى والديك و برهما , فهي التي تدخلك الجنة و ترضي الرب عنك وتذكر قول علي بن أبي طالب : "إذا نافسك الناس في الدنيا فنافسهم في الآخرة" .
فمن كان قلبه حي , لابد أنه فيه الرحمة , و في زوال الرحمة شقاء الإنسان , و إن الغيرة والرحمة كالشمس والماء , فحرارة الشمس تبخر الماء , و حرارة الغيرة تبخر الرحمة , كما حدث في قصة هابيل و قابيل , حين تنازع الأخوين في الزواج من أختهم , و أختار الله سبحانه و تعالى قربان هابيل , فعمت عين قابيل الغيرة و بخرت الرحمة من قلبه , مما جعله يقبل على قتل أخيه ظلماً و عدواناً , و بعد أن قتل أخاه , جعل يبكي عليه ندماً حتى تجمعت عليه الغربان و السباع .
فالغيرة بين الأخوة لا تعني كرههم لبعضهم , و إنما زوال الرفق بينهم .
فمن كان حقوداً على إخوانة غيوراً منهم , فهو أشد حقداً على الناس لو وُلي أمرهم , و بعض العائلات يسكنون في منزل واحد و من شدة خلافاتهم لا يأكلون على مائدة واحدة , و من جانب آخر, نعرف عائلات مَنَ الله عليهم بالرفق , يسأل الأخ عن أخيه , والأخت عن أختها , و يؤثر في الخير كل منهم الآخر على نفسه .
رسالة إلى كل أب و أم: أنكم تبنون بيوتكم سنيناً و تبذلون المال والجهد , فلا تهدموا بيوتكم بعواطفكم. رسالة إلى كل أخ و أخت: لا تكن أنت سبب زوال الرفق بين أهل بيتك , فالسعادة الأسرية نعمه لا تعوض , و ستبكي ندماً إن رحلوا عنك ولم تسعدهم و تسعد معهم في لحظات حياتهم.
الكاتب: راشد خليفة المزروعي
| |
|