ابن عشار عبد الحميد
عدد المساهمات : 47 تاريخ التسجيل : 18/06/2011 بريان
| موضوع: لعلكم تتقون الثلاثاء أغسطس 02, 2011 3:08 pm | |
| وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ [البقرة:197].
القبول معلق بها: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. والغفران والثواب موعود عليها وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].
أهلها هم الأعلون في الآخرة والأولى: تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
غير أن أزمنتنا المتأخرة، وعصورنا المادية كست قلوب أصحابها طبقات من الغفلة، وغشت على أبصارها سحب من الصدود
كثيفة. فعموا عن الطريق، وحسن ظنهم بالترقي في جاه الدنيا وسلطانها، فالشقي في ميزانهم من قلت مادته وقدر عليه
رزقه. وهذا لعمر الحق غفلة شنيعة، وجهل في المقاييس عريض. وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوٰجاً مّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ
ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ
لِلتَّقْوَىٰ [طه:131،132].
المتقون تقر أعينهم بالطاعات في الدنيا، وبعلى الدرجات من الجنة في الأخرى.
قد أظلنا هذا الشهر الكريم المبارك، شهر فرض الله عليكم صيامه لعلكم تتقون.
أيها الإخوة، غاية الصيام تقوى الله عز وجل. تقوى يتمثل فيها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل،
والاستعداد ليوم الرحيل. تقوى صادقة دقيقة يترك فيها الصائم ما يهوى حذرًا مما يخشى. ولئن كانت فرائض الإسلام
وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها سبيل التقوى، فإن خصوصية الارتباط بين الصيام والتقوى شيء عجيب.
جوارح الإنسان عين وأذن ويد ولسان، وبطن وفرج، والقلب من ورائها أصلها وحاكمها.
صام القلب واتقى إذا جرد العبودية لله وحده، خضع لجلاله، وسعى لقربه، وأنس بمناجاته. خلص من الشرك، وسلم من
البدع، وتطهر من المعاصي. قلب تقي يرى الهوى والشهوة والظن والبغي، والعداوة والبغضاء، والغل والحسد والجدل والِمراَء
أمراضًا قلبية فتاكة تقتل الأفراد وتهلك الأمم. القلب التقي يرفضها ويأباها ويتقيها ويتقيَّؤُها، وصيامه ينفيها ويجفوها.
قلب صائم متدين لله بالطاعة، مستسلم له بالخضوع والاستجابة، منقاد لتنفيذ الشرع في الأمر والنهي. عبودية لله خالصة لا
يصرفه عنها شهوة ولا شبهة، ولا يشوش عليه فيها أمان ولا طمع، قلب قوي تقي، لله صلاته وصيامه ونسكه ومحياه ومماته.
((فمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))[1].
وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فقامت بحق الطاعة وكفت عن الآثام. فالبطن محفوظ وما حوى، ترك الطعام والشراب
والشهوة من أجل الله، تقىً عالٍ يقي النفس جماح غرائزها، وإرادة مستعلية مستحكمة تأخذ أمر ربها بقوة، وتزدجر عن
النواهي باستسلام.
لقد كان على الهدى، وائتمر بالتقوى من منع جسده تخمة الغذاء ليمنع جوارحه السوء والأذى. قلة الشبع تكبح الجماح، وتبعد
نزغات الشياطين، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم[2].
فرض الصيام لتمحيص التقوى، وليصبح المسلم صائمًا بقيامه بترك مطعمه ومشربه؛ قصده رضا محبوبِه:
((الصوم لي وأنا أجزي به))[3].
شهركم شهر التقوى، شهركم موسم عظيم للمحاسبة، وميدان فسيح للمنافسة، تصفو فيه نفوس من داخلها، وتقترب فيه
قلوب من خالقها. تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة.
رحمة ومغفرة وعتق من النار. فأقبلوا على الطاعة، وتزودوا من التقى، واستروحوا روائح الجنة، وتعرضوا للنفحات.
الصائمون المتقون لا يزالون في صلاة وصيام وتلاوة وذكر وصلة وإحسان وجدٍ وعملٍ. فاطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا
لنفحات ربكم، فخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله.
أيها المتقون الصائمون، فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم والمساكين من جيرانكم والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برهم
وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربكم. اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين،
وغربة المشردين ووحشة المهجرين.
اسألوا في شهر التقوى والمحاسبة: هل قام بحق التقوى من بات شبعان وحوله جائع يستطيع إشباعه فلم يفعل؟
وهل قام بحق الشهر من رأى نفسًا مؤمنة بائسة يستطيع إسعادها فلم يفعل؟
أيها المسلمون، صوموا حق الصيام لعلكم تتقون. ومن يتق الله يكن معه، ومن كان الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب،
والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وإذا كان الله معك يا عبد الله فمن تخاف ؟ وإذا كان عليك فمن ترجو؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا
مَّعْدُودٰتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ
خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ
وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:183-185]. | |
|
زهرة الاحسان
عدد المساهمات : 1875 تاريخ التسجيل : 11/11/2010
| موضوع: رد: لعلكم تتقون الثلاثاء أغسطس 02, 2011 8:56 pm | |
| السلام عليكم أشكر الأخ عبد الحميد على هذا الموضوع القيم | |
|